القرآن في مصر
القرآن في مصر بقلم Muhammad Al-Baz ... يرى الدكتور الباز أنه "لم يكن عبادة بقدر ما كان عادة.. هذه حقيقة لا يمكن أن أنكرها أو أتجاهلها. كنا نستيقظ كل صباح قبل الساعة السادسة، وبينما نحن نستعد لمدارسنا الفقيرة فى بلاد أشد فقرا وبؤسا، كنا نستمع عبر إذاعة البرنامج العام لمقدمة التلاوة، وبعدها نصف ساعة من القرآن الكريم بأصوات ندية خاشعة، لا نعرف أصحابها على وجه التحديد، لكنهم كانوا لنا ونسًا، وبعدها مباشرة نحرك المؤشر إلى إذاعة الشرق الأوسط، الإذاعة الوحيدة التى كانت تذيع الأغانى الجديدة، صخب هائل، لم يكن يناسب أبدا الحالة الروحية التى يشيعها القرآن، لكنها عادتنا نحن المصريين، ولن نتخلى عنها، ساعة لقلبك وساعة لربك. بعد أن كبرنا وفهمنا قليلا، عرفت أن سماعنا للقرآن الكريم كل صباح لم يكن من باب التعبد بالكتاب الخالد الذى جعل الله منه دستورا للحياة، ونورا يسعى بين يدى الناس فى الآخرة، ولكن كان طقسنا اليومى من باب جلب البركة، فالقرآن حتى لو لم ننتبه له، أو نستمعه بخشوع وتأمل، يمكن أن يحفظ صاحبه، ويحرسه، ويمنحه القوة ليقاوم مصاعب يومه، وتقلبات حياته التى لا تنتهى. ويشير الباز إلى مقولة "هل سمعت قبل ذلك من يقول «نزل القرآن فى مكة... وقرئ هنا فى مصر»، مؤكد أنك سمعت، ومؤكد أنك أيضا عرفت ما الذى فعله المصريون بالقرآن، فأنت منهم، ولك معه صولات وجولات، لن أنكرها عليك، وعليه فلا تنكر أنت أيضا علىّ ما سأقوله هنا فى حديثى المطول عنى وعنه وعنك. يقدس المصريون القرآن، ما فى هذا شك، فهو كتاب ربهم، تركه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، الذى أكد أنه ترك لنا ما لن نضل بعده أبدا، كتاب الله وسنته. تمسك المجموع بالقرآن والسنة، واستعصم قليلون بالقرآن فقط، على اعتبار أن الأحاديث النبوية خضعت لأكبر عملية نصب فى التاريخ، حيث وضعت أحاديث على لسان النبى، لتخدم أصحاب السلطة والنفوذ والثروة فى عصور مختلفة، ونشبت أكبر معركة بين من يتمسكون بالقرآن وحده، ومن يجمعون بينه وبين السنة، وهى معركة هاوية متهاوية، لكنها فى النهاية قائمة ولن تنتهى أبدا. التقديس وحده لم يكن سيد الموقف، جر المصريون القرآن إلى حياتهم اليومية، فنادرا ما تجد بيتا يخلو من آيات قرآنية معلقة على الحوائط، لا يضعها أصحابها على الجدران للزينة بالطبع - وإن كان الأمر لا يخلو من ذلك ولكنها طلبا للبركة.