مازلت حيا

مازلت حيا بقلم نورا الزهيري ... تسرد الرواية أحداثًا قد تكون من بيننا دون أن ندري كريم، طفل لم يُكمل عامه الرابع بعد، مُفعم بالحيوية والنشاط، ذلك النشاط الذي خفت فجأةً نتاج إصابته بسرطان الدم ( اللوكيميا ).. ومن هنا.. بدأت الأحداث بالتوالي والتتابع بوتيرة مؤلمة لأبعد حد، بتخلي مَن كان يأمل أن يكون أول مَن يمد يد العون إليه، حين يتخلى الأب عن أبوته مُلقيا ما عليه من مسئوليات دون تبريرٍ للأمر إذ لا مبرر لِمَا كان من جفاء القلب.. مُدعيًّا السلامة من كل شر، مُواصلًا حياته كمهندس حتى غدا من أكبر رجال الأعمال في مجاله، متخذًا زوجة جديدة؛ ليحظى بإبنةً وحيدة إذ تبرأ منه منذ أن علم بحقيقة مرض لا يملك أن يدفعه عنه. على النقيض اتخذت والدته كل وسائلها الدفاعية لمواجهة ذلك الخطر الذي يترصد وحيدها الذي يلقى ألوان الضعف جميعها بذات الوقت، عملت، تجلدت، ابتسمت، ضحكت، صرخت، بكت؛ لكنها أبدًا لم تتخلى عن رباطة جأشها أمام وليدٍ لم يفقه من الدنيا سوى الحُزن وإن أُغلق بابٌ فهناك أبواب أُخرى فُتحت على مصراعيها لتشد من أزر مَن وهن لشدة المصاب، كان ذلك بظهور صديق يشد من أزره ويكون رفقته طول الدرب وإن واجهتهم صعاب يكفى أنهما مستمسكين ببعضهما ليهون الأمر.. ظن الجميع أنهم قادرون على رأب ما به من تصدعات استوطنته لطول الهجر، إلا أنهم لم يفقهوا لحقيقة لا يمكن غض الطرف عنها؛ وإن شاب الوليد سيظل بحاجة لأباه؛ كي ينعم بالدفء، ذلك الدفء الذي حاول مرارا وتكرارا أن يناله رغم إعراضٍ وجفاءٍ مستمر لم يتراجع عنه إلا بظهور رؤوف، ذلك العائد من هروبه لينكشف كل ما سُتر عنه من أسرارٍ، بعضها قبل مولده وبعضها من لحظة ميلاده، ذلك الميلاد الذي كان بوابة عبور والدته للعالم الآخر، دون وداع.. كُشف الستار عن حقيقة والدته وأن مَن تولته بالرعاية والاهتمام سنواته تلك ليست إلا خالته، مَن تخلت عن خطيبٍ كـرؤوف للحفاظ على وليد لم يفقه من الدنيا سوى وداع والدته، لقاء التي لم ولن يلتقيها في حياته الدنيا، لرحيلها بذات السقم الذي أصابه، والذي أبت تطويع امتهانها للطب للنجاة بحياتها، نظير الحفاظ عليه، حينئذ أدرك حقيقة الهجر والجفاء، حال والده المتداعي والذي لم تُمد له يدُ العون ابتداءً فأنى له أن يمدها انتهاءً لإنقاذ غريمه الذي كان سببا في تخلي محبوبته عنه.