عرس بغل
عرس بغل بقلم الطاهر وطار ... راحت المسافة بين قعر الخق وبين حوافات فمه الكبير، تتغير شيئاً فشيئاً... بدت ببعدها الطبيعي: حوالي المترين أو يزيد، ثم تأخر الفم، بعد النفس الأول عدة أمتار. بعد النفس الثالث تأخر القعر. بعد النفس الخامس تأخرت التينة والصخرتان، والحاج كيان وسلته. بعد ذلك راحت كل المسافات تتباعد، وانفتحت في رأسه وفي قلبه، هوتان، لا أول ولا آخر لهما. وفي الجين الذي شغر فيه بالتلاشي والذوبان، شعر بأنه يحتل كل ما هنالك من مكان أو زمان. ترى من أكون اليوم؟ المتنبي؟ حمدان قرمط؟ زكرويه الدنداني؟ المعتصم؟ المنتصر؟ المعتز بالله؟ موسى بن بغا؟ وما يهم؟ ليس في الجبة سواي. سوى رحى في حجم الأرض تطحن، والألم يقطر. بدأت المرحلة الأولى من الرحلة. هؤلاء الموتى المساكين، لم يعد أحد يذكرهم، يا لهم من غرباء، كانوا هنا، يسعون ويلهون ويأملون. تساقطوا كالذباب واحداً إثر آخر، أتوا بهم قطع لحم باردة، دفنوها في الأرض، وولوا هاربين، تاركين إياها للدود. المساكين. المساكين. سقطت دمعتان من عينيه، تناول ذرات من حلوى الترك وضعها على لسانه، واستغرق في الامتصاص.