طائر الحوم
طائر الحوم بقلم حليم بركات ... آه، تذكرت الآن ما أردت أن أقوله لك. أمي كبرت ولم تعد الإنسان الذي تعرفه أو حتى الذي نعرفه نحن. أقول لك سرا لم أقله لأحد من قبل ولا أعتقد أنني سأجرؤ حتى أن أواجه به نفسي. أنت وأنا والجميع يعرفون أن لأمي فضلا كبيرا علينا وأسعى أن أكافئها على أتعابها وأوفر لها حياة سعيدة كريمة في السنوات الأخيرة من عمرها. إنما كانت هناك مشكلة مستعصية قبل سقوطها. لمدة أصبحت حياتها مليئة بالأوهام والشكوك. لم تكن تفكر بنفسها، أنكرت ذاتها كليا. ولكنها وقد بلغت السابعة والثمانين أصبحت مشغولة بنفسها كليا. انطوت على نفسها فلم تعد ترى غير همومها. كان أكثر ما يخيفها أن تعجز فلا تتمكن من العناية بحالها وتردد "يا الله من وقعتي لحفرتي ". وقعت ولم تذهب إلى حفرتها. مدفونة فوق التراب لا تحته. حتى قبل وقوعها لم تطمئن علاقتها، فكانت تصلي باستمرار لله كي يشفق عليها ويعينها على آلامها ويحنن القلوب عليها ويبعد الأعداء عنها. في سبيل أن تتغلب على مخاوفها ووحشتها وضجرها، حولت حياتها إلى طقوس تدور حول مشاكلها وأوهامها. بدأت تنسى كثيرا. تنسى الأسماء والوجوه والحقائق وما تقول أو تسمع. وبسقوطها نسيت كل شيء.