حسناء الهور
حسناء الهور بقلم عبد اللطيف الحرز ... تتضمن هذه الرواية التي يقسمها الراوي العراقي إلى قسمين هما: "النوم الأول: حطب أخضر"، و"النوم الثاني: الخيول لا تعرف المدينة"، فيض في الأحداث وإسهاب في التفاصيل، وفي الانتقال من حادثة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر ومن قصة لأخرى من مجموعة القصص والحكايا المتعددة عن "الهور"، في خيمة "أشبه بحوزة مصغرة هي مدرسة لتعليم الدين"، تطال شخصيات متعددة مثل شخصية ابن عمه جواد الذي أجبره أن يكون طالباً نشيطاً للدراسة التي تنشطت بمجيء "أبو شمس" صاحب طائر الببغاء وهاوي علوم الطلاسم وقراءة الرمل، والسيد أبو غيث وزوجته إحسان كاتبيّ الأحراز والتعاويذ. وناظمية وابنتها وردة فتاة من "المعدان"، وهم أقوام يعيشون في الماء في بيوت مصنوعة من القصب. وردة التي كانت تلّف شعرها بالكوفية العراقية الرجالية"، والتي كان وجهها يبدو كأنه الأمل ماشياً في تلك الظهيرة الموحشة، وتلك التي أزالت عن الراوي مرض حمى الجسد، لكنها تريد إشعال حمى الروح. الضجر من "الهور"، سيدفعه للذهاب إلى بغداد حيث تعرّض لتجارب مختلفة، من شرب الكحول والسكر والجنس، إلى تجربة الإهانة والضرب والتعذيب الوحشي والاغتصاب، في مديرية الأمن العام وفي السجون ومنها سجن "ابو غريب" الذي "تنعّم" فيه "بجميع خدمات حزب البعث والنظام القومي العفلقي، من تعليق بالسقف وفصل الاكتاف، إلى الخوازيق وكهربة الجهاز التناسلي". "عامان في "همّت".. عامان هما كل ما أتذكره عن حياتي.. عامان سرحت فيهما بشلال الكلام والعراك.."، حيث طغى الشجار وتلونت المعارك بلون الدماء بينه وبين أولاد عم وردة، وبينه وبين "فليح" الناقم والذي له "قوة ألف ثور"، وحيث حصل على أولى تجاربه مع النساء: "استدفئ بخيال عجيزة وصدر عزوزة لكن وردة كانت تحاصر المكان"، وغيرهن. لم تكن الحال أفضل في إيران. حيث انتقل "من بدائية همّت ووضوحها إلى فخ الحضارة وشباكها المعقدة". ففي الأهواز،"رغم كل تلك المجازر التي وقعت لا زالوا يعظمون صدام حسين ويكبرونه!"، ثم أنهم كيف يتجرأون على العمل هناك "فيقللون الفرص على الشباب الإيراني الصاعد الطموح؟!". ويكتشف سريعاً: "ها قد سقطنا في الحفرة من جديد وبدل "فليح" واحد أصبحنا أمام دولة كاملة". لا مكان "لرفاهية" مشاعر الحب والحنان والعطف والتعاطف والإحساس المرهف، لا مكان للقيم الإنسانية وكرامة الإنسان، في كنف واقع بدائي تملؤه القسوة والعنف والشراسة وصور الحروب البشعة: ذكريات الحرب العراقية الإيرانية واجتياح الكويت، وتعشش فيه الخيبات: "فقد بان سيف القومية العروبية انه سيف من خشب ليس إلا"، و"هكذا وقفت الجيوش العربية ليس لمقاتلة اسرائيل كما كنا ننشد في المدارس الابتدائية، وإنما من أجل أن يتعارك بعضها ضد الآخر"، والوحشة: "هكذا انتهيت وحيداً.. وحدة بدايتها الهلع وانتهائها ما بعد الجنون.. هي وحشة الوحيد داخل الهور.. داخل الأسطورة.. وحدة الاله الذي نصفه براءة ونصفه وحش".
