غبش المرايا فصول في الثقافة والنظرية الثقافية
غبش المرايا فصول في الثقافة والنظرية الثقافية بقلم خالدة حامد ... ع ذلك، كانت كلمة "ثقافة" تتأرجح، منذ الستينيات، فوق محورها؛ لتعني - بالضبط - العكس تقريباً، وتعني - الآن - إثبات هوية محددة - قومية، جنسية، عرقية، إقليمية - بدلاً من التعالي عليها. وطالما أن هذه الهويات كلها ترى نفسها واقعة في قبضة الاضطهاد، فإن ما بدا - مرة- عالَماً من الإجماع قد تحوّل إلى منطقة صراع. باختصار، تحولت الثقافة من كونها جزءاً من الحل، إلى جزء من المشكلة؛ فهي ما عادت تعني فضّ النزاع السياسي، وهو بُعد أسمى، أو أعمق، نستطيع - من خلاله- مواجهة أحدنا الآخر، بصفة رفاق في الإنسانية تماماً، بل صارت جزءاً من معجم الصراع السياسي نفسه. ويكتب إدوارد سعيد"بعيداً عن كونها عالماً هادئاً من التهذيب الأبولوني Appollonian gentility، يمكن أن تكون الثقافة ساحة قتال، تصطرع فوقها القضايا تحت أضواء النهار، ويباري أحدها الآخر"(115). وبالنسبة لأشكال السياسة الراديكالية الثلاثة التي هيمنت على جدول الأعمال العالمي خلال العقود القليلة الماضية - القومية الثورية، النسوية، الصراع العرقي - فإن الثقافة، بوصفها علامة sign، وصورة ذهنية image ومعنى، وقيمة، وهوية، وتضامناً، وتعبيراً عن الذات، هي المتداولة في الصراع السياسي، وليس بديلها الأولمبي Olympian. ففي البوسنة، أو بلفاست، ليست الثقافة ما تضعه في جهاز التسجيل، بالضبط، بل هي ما تقتل أنت من أجله. فما تخسره الثقافة في سموّ، تكسبه في التطبيق. وفي هذه الظروف، في أحسنها وأسوئها، لا يمكن أن يكون ثمة شيء أكثر زيفاً من الاتهام القائل إن الثقافة بعيدة عن الحياة اليومية، بتعال. تيري ايغلتون.