نيران وادي عيزر

نيران وادي عيزر بقلم محمد ساري ... "كان يوما باردا وماطرا وريح خفيفة تسوط الوجوه. أخي الصغير رشيد الذي لم يتجاوز عمره سنته الأولى توفى في تلك الرحلة المشؤومة. أصابته حمّى قوية منذ يومين وحال التهجير المجبر دون العناية به. (...) بكى الطفل الصغير جزءًا يسيرا من الليل. أعدّت له أمّي دواءً بخليط من الأعشاب وشرّبت له بضع ملاعق بصعوبة. لم تتحسّن حالته. كان يمكن أنْ تأخذه إلى عين تيتْاَمُّوسي وتغطسه في مياهها المباركة مثلما فعلت معي، ولكن القصف المهول وحرق الديار والمحاصيل الزراعية وأمر العساكر الفرنسيين بالرحيل شوّش ذهن أمّي مثلما قالت لي وهي تسرد لي تفاصيل تلك الأيام العصيبة. (...) أثناء الطريق، وفيما كان المهجّرون يسيرون نحو حتفهم المجهول عبر الطريق المحاذي للوادي، أحسّت أمّي بانقباض قويّ كاد يخنقها. إن الطفل الذي تحمله على ظهرها توقف عن الحركة ولم تحسّ بأي اندفاع ولا بكاء منذ مدّة طويلة. تمنّت من صميم القلب أن يكون نائما فقط. فكّرت في حطّ القُفّتَين أرضا، وفكّ الفوطة وإنزال ابنها وتفقّد حالته وإرضاعه. ولكن نداءً قويا نهرها بقوة عن ذلك. انتابها إحساس أنّ الطفل المحموم قد لا يقاوم مرضه ولن يصمد إلى نهاية الرحلة".