نون النسوة
نون النسوة بقلم أشرف أبو اليزيد ... يتناول الكاتب أشرف أبو اليزيد في كتابه نون النسوة.. نهر الفن، طرفا من سير كوكب الشرق أم كلثوم وممثلة الإغراء مارلين مونرو، والشاعرة اليونانية الرائدة سافو، وأيقونة الشعر الفلسطيني فدوى طوقان والتشكيليات جليلة خانوم أم الشاعر التركي ناظم حكمت، والمكسيكية فريدا كالو، والسويسرية ذات الهوى المصري مارجو فيون. يقول الكاتب عن سر اختياره هذه الأسماء: ربما يتبادر سؤال أول عن سر اختياري لهذه الأيقونات، وهن سبع، من بين كل فنانات العالم! والحق أنه لا إجابة محددة لي عن هذا السؤال، فكل أيقونة منهن تستحق أن تكون مادة كتاب واحد، مخصص لها، كما يمكن أن يكون هذا الكتاب لا نهائيا، يسع ألف أيقونة وأيقونة، فتاريخ البشر لا تعوزه الأيقونات. فقط أردت أن أفتح صفحة جديدة ـ وربما فريدة ـ في حياة إبداع كل منهن. ويضيف قائلا : عرفنا- جميعا- مارلين مونرو، ولكن من يتذكر أنها كتبت الشعر، ومن قرأ قصائدها، ومن يصدق أن تلك الحسناء كان عندها وقت لتفكر في الشعر. كما عشنا زخم كوكب الشرق الفني، أم كلثوم، التي كانتْ تتلو القرآن الكريمَ فيخشع لها القلب، وتنشد القصائد والأغنيات فيطرب لها السمع، وتضيف للشعر، بل وتحذف منه، فترضى به السليقة، وتصعد إلى خشبة المسرح واثقة الخطى في وصلة ووصلتين، فينتبه لها وجدان المشرق والمغرب، وتظهر على الشاشة الفضية جارية وسيدة، وتهمس بالفكاهات والملح، وتعشق كل جميل، ويعشقها كل مبدع، ولكن من يعرف أنها كانت تقرأ الأدب القصصي، بل وتبتكر نهايات قصصية! وكلنا ـ في الشرق الثائر ـ رددنا قصائد ناظم حكمت، صاحب أجمل القصائدالتي لم تكتب بعد، ولكن من أين نهل ذلك الشبل، إن لم يكن من نهر جليلة خانوم، أمه، الرسامة التركية الرائدة، والثائرة أيضا؟ والأمر نفسه يمكن أن يقال عن أول شاعرة في التاريخ سافو، وعن مارجو فيون، الرسامة السويسرية التي عاشت حوالي القرن في مصر توثق بريشة صبية حياة المهمشين، وأفراحهم، كما يمكن أن نبحر بعيدًا، لنصل إلى الفنانة الوحيدة التي صنع من أجلها فيلم سينمائي، فريدا كالو، أو نعود إلى قلب عزيز على الجميع، جغرافيا وتاريخيا، لنجلس في حضرة الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، في رحلتها الجبلية الصعبة. يتناول أشرف أبو اليزيد سيرة جليلة خانوم، أم ناظم حكمت رائدة الفن التشكيلي في تركيا التي كرست حبها لابنها الشاعر ناظم، وكانت سنده في أكثر من مناسبة، وهو شاب غض، أو حينما بادرته الحياة بمصاعبها بسبب آرائه وأشعاره، وخاصة أنها انفصلت عن والد ناظم في سن صغيرة. لا شك أن تمرد الشاعر التركي المعروف كان يستمد عنفوانه من أمه. فخلال سنوات سجنه في مدينة بورصة التركية، ولكي تكون إلى جواره، استأجرت جليلة بيتا قريبا من السجن. وكان من بين مواقفها الأشهر للدفاع عن ابنها يوم علقت لافتة على جسر غلطة تعلن دعوتها لجمع توقيعات تدعم ناظم حكمت الشاعر السجين، الذي كان قد بدأ إضرابه عن الطعام. أثارت دعوتها الكثيرين، وسدت الجماهير الطريق فوق جسر غلطة. وحين ظهرت الشرطة، وأخذ العسكر جليلة للسؤال عن مدى تورطها في المظاهرة، وعمن وضع اللافتة لها فوق الجسر، أجابت بأن التوقيع على اللافتة يقول: جليلة الرسامة. كما يرى الكاتب أن الرسامة فريدا كالو عبرة في محيط من الدموع! وهي التي عاشت سبعة وأربعين عاما (1907 ـ 1954 ميلادية)، قضت معظمها أسيرة مقعدها المتحرك، بعد إصابتها في سن الثامنة عشر إثر حادث حافلة، وظلت طريحة الفراش لمدة عام بإحدى المستشفيات، وتعرف إليها الفنان دييجو ريبيرا فتزوجا وهي في الحادية والعشرين. وظلت فريدا ترسم صورا ذاتية لها، كأنها تستعيد الصور التي فقدتها إثرا الحادث، فهي تحتفي بالطيور الأربعة على كتفيها، كأنها سترسلها لجهات الدنيا تعوضها عن أسرها، أو أنها ـ في لوحة أخرى ـ تنام في الطابق الأدنى لسرير من طابقين، فيما ترقد بالطابق الأعلى دمية عاجزة عن الحركة؛ كأنها الكوابيس التي تهاجمها دوما لتعبر عن عجزها. أو هي الغزال الشارد لحظة اقتناصه. أما مارجو فيون, المولودة في القاهرة عام 1907 ابنة لرجل أعمال من سويسرا وزوجته النمساوية أمضت معظم سني حياتها باحثة عن تلك اللحظات النابضة في قلب الحياة المصرية،فيعتبرها الكاتب رسامة الروح الشعبية المصرية. ومن مفاجآت الكتاب ما يقدمه أبو اليزيد تحت عنوان قصائد مارلين مونروقائلا: لست أكتب عن أشعار مارلين مونرو من باب الطرافة، فللجدية نصيب كبير في الحديثِ عن نجمة أصبحت أيقونة في الفنون جميعها. ألم تنسج ملامح سينما الإغراء، فاقتفت آثارها الفنانات المُحاولاتِ غربًا ثم شرقا؟ ألم تترك قصة حياتها مشاهد خاطفة غامضة مثل برق آلة تصوير يبهر النظر أكثر مما يكشف للبصر؟ ألم يُشع أنها انتحرت، بقدر ما قيل أنها نُحرتْ؟ ألم تُلهم صورتها آندي وارهول لتعطي فن البوب آرت دفعة غير مسبوقة؟ ولكن إن اختلف الجميع بشأن مارلين مونرو فقد اتفقوا على أن ينظروا إلى جسدها، ناسين أن هناك رأسًا ذات عقل تحرك هذا الجسد، ومتناسين أن لها قلبًا ذا مشاعر يتألم ويبكي. ولعلهم لم يعرفوا أيضا أن هناك فما ينطق بالحكمة، ويدًا تكتب الشعر! ويختار الكاتب أن يقدم وجها جديدا لكوكب الشرق أم كلثوم فهي كانت تتلو القرآن الكريم فيخشع لها القلب، وتنشد القصائد والأغنيات فيطرب لها السمع، وتضيف للشعر، بل وتحذف منه، فترضى به السليقة، وتصعد إلى خشبة المسرح واثقة الخطى في وصلة ووصلتين، فينتبه لها وجدان المشرق والمغرب، وتظهر على الشاشة الفضية جارية وسيدة، وتهمس بالفكاهات والملح، وتعشق كل جميل، ويعشقها كل مبدع، ولكنها أيضا كانت، تقرأ الأدب القصصي، بل وتبتكر نهايات قصصية! . وفي بستان الشعر يحلق الكاتب مع فدوى طوقان، تلك الزهرة النابلسية ورحلتها الجبلية، التي التقاها الكاتب في مسقط ثم تتبع خطى سيرتها النادرة التي تعد نموذجا للرحلة الشاقة بنضالها والخصبة بثمارها.ومما يزيد في ثراء الكتاب أنه يقدم ديوانا كاملا للشاعرة اليونانية سافو؛ ربة الفن العاشرة. أم كلثوم. مارلين مونرو. سافو. فدوى طوقان. جليلة خانوم. فريدا كالو. مارجو فيون. سبع نساء وسبع حكايات، لا يجمع بينهن زمن واحد، ولا تضمهن سيرة عملية وحيدة، كما لا توحد كلماتهن لغة موحدة؟ لكن حياة كل منهن تستحق أن ننظر إليها مجددا، لأن فيها جديدا، نراه بعد عام، أو قرن، أو ألف عام. فهن أيقونات الأمس، لكنهن أيضا أيقونات كل غد.