خدعة الفلامنجو

(1)
(1)
تقييم الكتاب
5.0/5
2
نبذة عن الكتاب

خدعة الفلامنجو بقلم نهلة كرم ... "خدعة الفلامنجو" رواية جديدة لنهلة كرم بعد أن تخرج الراوية من علاقة سامة، تستدعي أحداثًا وتفاصيل، وتبدأ في ربط كل ما كان يحدث بينهما بسلوكيات الحيوانات في عالمها. التشابهات المدهشة تجعلها قادرة على إعادة اكتشاف الآخر ونفسها. فتجد في هذا العالم التفسير الذي تسعى إليه لتضع كل شيء في مكانه الصحيح.كعادتها تصحبنا نهلة كرم في رحلة مؤثرة وعميقة داخل الحياة بكل تعقيداتها وبساطتها، من خلال فك تشابك العلاقات العاطفية وتحليل طبقاتها المتعددة بحس مرهف وأسلوب جذاب، لا يمكن إلا أن تذوب داخله لترى نفسك برؤية مغايرة وأكثر إنسانية.

نبذة عن الكاتب

نهلة كرم نهلة كرم

كاتبة مصرية من مواليد عام 1989، تخرجت في كلية الإعلام جامعة القاهرة، صدر لها مجموعتان قصصيتان "أن تكون معلقًا في الهواء" و"الموت يريد أن أقبل اعتذاره"، وروايتان "على فراش فرويد" و"المقاعد الخلفية"، والتي حصلت على جائزة ساويرس عام 2019.

أعمال أخرى للكاتب

مراجعات كتاب : خدعة الفلامنجو

محمد هشام

5 out of 5 stars

في كتاب “عشت لأروي” يقول ماركيز ” الحياة ليست ما يعيشه أحدنا، وإنما هي ما يتذكّره، وكيف يتذكّره، ليرويه”، وفي رواية “خدعة الفلامنجو” تجد البطلة أن استعادة الحياة مرة أخرى جاءت من خلال استدعائها ما مرت به من لحظات ضعف وألم والكتابة عنه، فالتذكر والكتابة كانا هما السبيل الوحيد، ليس فقط للخروج من العلاقة التي مرت بها ولكنه لفهم الأسباب والدوافع لاختياراتها في الحياة. في روايتها الجديدة تأخذنا الكاتبة “نهلة كرم” في رحلة ليس عن الألم والفقد فقط، ولكن عن تعقيدات النفس البشرية والصراعات الداخلية التي نمر بها، عن أهمية الانتباه لخيارتنا في الحياة وللصوت الداخلي الذي ينجذب لهذا النوع من الاختيارات، فمن خلال رحلة البطلة والمراحل التي مرت بها في محاولتها للتعافي والخروج من فشل علاقتها السابقة تدرك أهمية الانتباه لفهم الدوافع النفسية وراء الكثير من أفعالها، فكثير ما نغفل أن اختياراتنا ما هي الا نتيجة لما يدور ويعمل برأسنا وداخلنا، وبالرغم من سهولة إلقاء اللوم على الآخرين وشيطنة أفعالهم تجاهنا، إلا أن الانتباه ومحاولة فهم انفسنا يجعلنا نتجنب الكثير من الألم في المستقبل، بالكتابة أصبحت ترى الاسباب الذي ساعدت على وجود الأشخاص السيئين داخل حياتها، وإن انجذابها لهذا النوع من العلاقات ما هو الا انعكاس لمشاكل داخلية لديها، فالنجاة الحقيقة تبدأ من محاولة الفهم والوعي بما يدور بداخلنا. تبدأ الرواية في لحظة انهيار وتشتت للبطلة ومحاولة مساعدة صديقتها للخروج من علاقة مؤذية مرت بها، وفي نصيحة منها بمحاولة التفكير واستدعاء ما حدث معها والكتابة عنه تبدأ فصول الرواية، ليأخذ السرد شكل رسائل من البطلة لصديقتها (سلمي)، لتبدأ الأعيب السرد داخل الرواية، فما أن تبدأ أول رسالة حتى يبدأ تغير مستمر للزمن برعت الكاتبة في نسجه والمحافظة على تقديمه طوال أحداث الرواية، وكأن القارئ أمام لعبة “بازل” ممسك بقطعها ليجمع صورتها على مدار فصول الرواية، فتبدأ بالحكي والاستدعاء من منتصف علاقتها الأخيرة ثم تتتابع الفصول، قبل أن تصل لمرحلة بداية دخول (سامر) حياتها، مرورًا باللحظة الحالية – لحظة كتابة الرسالة- لتجد بداخل الفصل الواحد -الرسالة- أكثر من زمن وعالم متشابكين لتجميع قطع البازل، فما أن تبدأ من زمن الحدث الذي تحكي عنه، لتنتقل لزمن كتابة الرسالة وحالة الارتباك والضبابية التي تعاني منها، ثم يتخلل ذلك زمن علاقاتها السابقة قبل أن يتقاطع معها مشاهد من حياتها في الطفولة والمراهقة كان لها أثر كبير في تكوين شخصيتها ودوافعها الحالية، وليست هذه اللعبة الوحيدة التي اعتمدت عليها الكاتبة في بناء النص داخل الرواية، لكنها استطاعت أن تنسج عالم الرواية من الحيوانات والطبيعة أيضًا، فيتقاطع عالم الحيوانات والنباتات وأحيانًا الجمادات مع عالم البشر داخل الرواية، لتكمل لعبة البزل التي قررت الكاتبة أن تشرك القارئ فيها من بداية الرواية حتى أخر سطر بها. هذه الأزمنة المختلفة والمتشابكة والعوالم المتعددة ساعدت الرواية على قارئتها بشكل أكبر من محاولة الخروج من علاقة فاشلة، وأضاف لها أبعاد نفسية واجتماعية مختلفة لمحاولة لفهم وتقبل ومعرفة مدى مشاركتنا ومسؤوليتنا عن الكثير من مصائرنا وما آلت اليه اوضاعنا. شكلت الحيوانات والطبيعة دلالات ورموز مختلفة للقارئ داخل عالم وبناء الرواية، فمن خلال عرض سلوك الحيوان في عالم الطبيعة وتقاطعه مع اللحظة التي تمر بها البطلة، تستكشف ما يحمله هذا الحيوان من تطابق مع السلوك البشري، فالصبر والتحمل الذي نظن إنه ميزة في كثير من الأحيان يتطابق مع صبر اللبؤة على مائة وطء على مدار يومين، وتحملها كل الألم الناتج عن علاقتها الحميمة مع ذكر الأسد، والثقة الناتجة عن الأمان الذي نتشاركه مع المقربين منا، يتطابق مع الضفدع السام الذي يتوقف جسمه عن افراز السم متى يشعر بالأمان من المفترسين قبل أن يدرك إنه وقع فريسة للمفترسين، حتى لحظة الخداع التي نكتشفها بعد مرورنا بتجربة قاسية، تتطابق مع لحظة اكتشاف الام البديلة لفرخ الوقواق للخدعة التي تتعرض لها ولكن بعد فوات الأوان. فالفكرة الرئيسية من وجودهم هي مساعدة البطلة في فهم ما حدث من خلال تقاطع سلوك الحيوانات والكائنات المختلفة وربطه مع ما تعرضت له على مدار علاقتها ليساعدها ذلك على استعادة الرؤية مرة أخرى، وبالرغم من متعة وجمال هذه العوالم داخل النص إلا ان ربط هذا العالم بالرواية وأحداثها أضاف لبناء النص قوة وتماسك ومتعة كبيرة. اعتمدت الكاتبة في بنائها للرواية على مجموعة من المشاهد المترابطة فيما بينها والتي تعكس حالة البطلة – سواء داخل الرسالة أو في مراحل حياتها المختلفة- فنجد أن شكل وتكوين النص في أول رسالة يختلف عن شكله في الرسائل الأخيرة، فحالة الارتباك والضبابية التي كانت تشعر بها والمنعكسة من داخلها، انعكست على الكتابة أيضًا، ففي رسائلها الأولى كانت الأفكار متناثرة والكتابة بها نوع من الارتباك والتشتت، وذلك على النقيض في الرسائل الأخيرة التي تُكتب بحالة من الرؤية والفهم نتيجة للرحلة والطريق التي خاضتهم للتعافي، فتجد الأفكار مترابطة وبها قدر كبير من الترتيب، هذه الحالة التي اعتمد عليها الكاتبة وبرعت في توظيفها طوال فصول الرواية ساعدت على توصيل البعد النفسي للبطلة وحالة الصراع التي تعيش بداخلها، والتي تُظهرها ليس بوصفها ضحية لكنها كانت شريكة في ما وصلت إليه. فتجد ان شعورها بالضالة التي تدخل به في أي علاقة، نابع من إحساسها المستمر بعدم الاستحقاق الملازم لها، وأيضا علاقتها المتوترة بأخيها في مرحلة الطفولة والتي تحمل لحظات من استخدامه العنف معها أحيانًا، والذي يتبعه كلام والدها (اخوكِ يحبكِ، فعل ذلك لأنه يحبكِ…) هذه الصور التي مرت بها في فترة الطفولة والمراهقة خلقت لديها حالة من الربط بين الحب والقوة -الصفع- وهو ما جعلها تبحث عن صور لهذه القوة فيما بعد في أي علاقة تدخلها، كما غذى لديها الكثير من المشاعر والصور السلبية التي ظلت مصاحبة لها. تستمر رحلة البطلة طوال أحداث الرواية وحتى نهايتها في محاولة الخروج من الدوامة التي علقت بها، ومحاولتها المستمرة لفهم ما مرت به واستعادة الرؤية مرة اخر بشكل دائم. لا يهم متى تصل -كما لا يهم معرفة اسمها-، لكن المهم ألا نظل عالقين داخل نفس الدائرة ونرى أنفسنا مجرد ضحايا والآخرين مجرد ضحايا ومفترسين. من الرواية: ” لست ضحية طبعًا، فالاختيارات هي التي تجلب لي نفس النوع من الأشخاص، لكننا نحتاج لسنوات قبل أن نتعلم بعض الأشياء عن أنفسنا، وكثيرون يبقون طوال حياتهم يدورون في نفس الدائرة دون تعلم حتى، لذلك أنا ممتنة في تلك اللحظة رغم كل ما حدث لوصولي لهذه النقطة التي أقف عندها، فحتى لو كنا سنخطئ، فمن الأفضل أن نفعل ذلك عن وعي، بدلاً من أن نسير في دائرة ونحن نظن أننا نسير في خط مستقيم، ونتقدم للأمام، وبدلاً من أن نظن أننا نقوم بشيء مختلف في كل علاقة، بينما نقوم في الحقيقة بنفس الأشياء كل مرة، ولكن باختلالات نفسية مختلفة.”