الرحيقيون

الرحيقيون بقلم نبيل أبو حمد ... "الرحيقيون" العمل الروائي الخامس للفنان والكاتب اللبناني نبيل أبو حمد (الدار العربية للعلوم ناشرون، 2015) بعد: "العطيلي" (2002)، "بيت من الشرق"، (2004)، "راكمان وعبد الرحمن"، (2013)، "النمر"، (لم تنشر بعد).قدم للرواية الدكتور خلدون الشمعة بمقدمة جاءت تحت عنوان "مرثية التعددية الثقافية وجنازة اليوتوبيا"، يقول فيها: "... أرى في هذا العمل مرثية حائك ماهر لذلك الحلم المرواغ الذي ملأ ويملأ فضاء المهاجرين إلى أوروبا، ونعني به حلم العيش في مجتمع أوروبي قوامه الجديد مبدأ تعدد الثقافات Multiculturalism.هذا الرصد لوقائع انهيار الحلم المراوغ وتبدده وتحوله إلى كابوس جاثم يملي على المهاجر العربي وغير العربي في الرواية وخارج الرواية، بدءاً من الهزيع الأخير من القرن العشرين، قدَرَ الإنصياع لمقولة (إما/ وإما) بلغة الفيلسوف الدانمركي سورين كيركغارد.إما أن تمسح من ذاكرتك المتشظية أصلاً ما حملته معك إلى أوروبا، موطنك الجديد، من عادات وأوهام، فيتحقق اندماجك في وسط اجتماعي وثقافي يفترض أن تحتضنه كما احتضنك، وإما أن تتبدد وتصبح هباءً منثورا.تبدأ الرواية في دمشق مطلقة شرارات سيرة ذات طابع تسجيلي بأسماء أماكن وأشخاص حقيقيين وتتماهى فيه أنا الراوي ذات المنزع الشفوي مع أنا الكاتب ذات المنزع التدويني، لتنتهي في باريس حيث تستهل تجربة الرحيقيين ومدينتهم الفاضلة، ويسدل الستار على اليوتوبيا المتعددة الثقافات والحاضنة لرحيق كل ثقافة على حدة، تحفل بتميزها وأُسها الخاص.وأما الإخفاق الذي سرعان ما تُمنى "الرحيقية" به، الإخفاق الذي يتمثل في الرواية بانهيار تجربة "الكومونة" التي أنشأها مهاجرون إلى باريس، ينتمون إلى ثقافات متباينة، ويروي قصتها منذ البداية، متلصصاً على المشهد او شاهد يسترق النظر، فيلخصه أفضل تلخيص، قول أحد الشخصيات: "لاحظت أنك تكثر من استحضار "اليوتوبيا" كأنها شيء مثالي فعلاً، وهي عبارة عن معسكر من الرتابة في التصرف واللبس والعلاقة بين البشر وحتى في العلاقات الحميمة كالحب والجنس المبرمج وفق شروط وتوقعات. هل تعلم أن توماس مور كتب هذه "اليوتوبيا" كطبعة زرقاء (أولى) لما تخيله أفلاطون وهي تقوم على المثال "الفانتازيا"؟..).بادئ ذي بدء تبدو هذه الإشارات في "الرحيقيون" مجرد علامات خاطفة تُنذر بما سيحدث. ولكن جنازة اليوتوبيا التي يرويها متلصصاً على المشهد voyeur سرعان ما ترسم صورة صراع حقيقي دامٍ بين الثقافات، صراع يوازي، بل يتماهى أحياناً، مع ما يحدث على أرض الواقع في العالم العربي.آية ذلك كله أن الرواية العربية بمثالها المتحقق في هذا العمل الممتع والمفعم بالتشويق، تومئ باستمرار إلى ظهور حائك لا تنقصه المهارة، حائك ماكر يكاد ينسج من عدم، حائك يستكشف أرضاً رخوة ما زالت غير ممهدة".