قراءات من أجل النسيان
قراءات من أجل النسيان بقلم عبد السلام بنعبد العالي ... ماذا يقرأ الفلاسفة؟ قد يبدو الجواب عن هذا السؤال من قبيل البداهات، بِعَدِّ أن من المفروض أن قراءات الفلاسفة لا بدَّ أن تنصبَّ على ما خلَّفه مَنْ تقدَّموا عليهم من تراث فلسفي. إلَّا أن واقع الأمر يبدو مخالِفاً لذلك. فالظاهر أننا، إذا ما استثنينا الفلاسفة-الأساتذة الذين تفرض عليهم «حِرْفَتُهُم» ألَّا يميِّزوا بين الفلسفة وتاريخها شأن هيجل، أو الذين اقترن عندهم التكوين الفلسفيُّ بالحوار مع تاريخ الفلسفة، و»تهجِّي» نصوصه الكلاسيكية كما هو الشأن في فرنسا عند خرِّيجي المدرسة العليا لزَنَقَة أولْم، مثل جاك دْرِيْدَا، إذا استثنينا هؤلاء، فإننا لا نعثر عند معظم الفلاسفة على قرَّائين ملتهمين لكلاسيكياتهم. وهكذا فربَّما سنندهش عندما نعلم أن ج. ب. سارتر، على سبيل المثال، لم يكن، عند كتابته لـ «الوجود والعدم»، قد قرأ لفرويد أو لنيتشه إلَّا كتابَيْن لكلِّ واحد منهما، على حَدِّ اعتراف رفيقة دربه سيمون دو بوفوار. ذلك أيضاً شأن ديكارت الذي كان يفضِّل «قراءة كتاب الطبيعة»، ولم يكن قارئاً كبيراً للكُتُب، بل إنه لم يكن حتَّى من عشَّاق امتلاكها نظراً لتنقُّلاته الكثيرة التي كانت تفرض عليه ألَّا تتعدَّى إقامته في المكان نفسه أكثر من نصف السنة. وعلى رَغْم ذلك، فإن كان يزدري كتابات هوبز، فإنه كان متابعاً لمستجدَّات العلوم، فكان يطَّلع على ما يكتبه الرياضي فيرما كلِّه، والعالِم الفيلسوف غاساندي.