لا أحد في البيت
لا أحد في البيت بقلم محمد عبد الله العلي. ... لا أحدَ في البيت. هذا ما غَنِمتُهُ. خالَفْتُ، في تحريري لهذا الكتاب، وانتخابي لما فيه، ما هو معمولٌ به في صَنعة التحرير، تحرير الأعمال الشعريّة على وجه الخصوص. لا أبتغي عَرْضَ أشهر قصائد الشّاعر، أو إبراز ما يستهويني منها، أو حتى بناء مسرحٍ لتجربته الشعريّة. تَظهرُ نصوص الشّاعر هنا بوصفها حلماً؛ تتقطّعُ و تتّصل، سِنَةً و نَوماً، حُلمًا غَزَلتُهُ لنفسي، فِعْلَ قراءتي.. فالقراءة في جذرها محاولةٌ للرؤية، امتثالٌ لما يتبدّى وما يتخفّى، وأسلمتُ نفسي لذاك؛ إنها سرقةٌ مُحترفة، وتلصُّصٌ مُباحٌ على أوكار المجاز وأفاعيه، وعلى غُرَف الوقت ونوافذ أفكاره، وعلى الآلهة من أعلى وأسفل، وعلى اللغة العارية. على الشّعر. مزّقتُ أكثر النصوص كالأقمشة، أبعدتُ خيوطاً عن أسمالها لتأخذ بُعدًا فضائيًّا، احتمالاتٍ أكثر. كَسَرتُ أسطُرًا ويتّمتُ أبياتًا، وأبكَيتُ الخليلَ، ليس لأني عاندتهُ، أنا لا أكرهه، أبدَا، بل تجاهلته، ولم أُعِرهُ خاطري ووجداني.. قَسَوتُ عليه. كأنّي أُعتِمُ بحرًا كاملاً وأطيرُ بكشّافٍ واحدٍ أُسَلّطه على مَوجَةٍ واحدة. مَن يتغيّى فهمَ ذهنيّة بناء الشّاعر لقصائده، وتفكيك تجربته الشعريّة، بُغية حقنها في الدم والهواء، أو للبحث والتوثيق، فعليه قراءة الديوان الكامل (لا ماء في الماء). هُنا فُرصَةٌ لحُلمي كي يراه أحدٌ غيري، لغنائمي. وبَقيَ أن أقوَل بأنني قد اخترتُ هُنا أيضًا مقاطعَ من ثماني عشرة نَصًّا لم تُدْرَج في الديوان آنف الذّكر. هكذا أَبَحتُ لنفسي ما لا يُعقَلُ ولا يجوز، ما قَد يُغضِبُ مُحبّي الشّاعر، أو المسلوبين بذاك الغول في ليل الشّعر، أَعني العروض. لكنها –و أنا أضحك الآن- رُقْعَةُ لَعِب، محكومةٌ بشروط الفتنة و الافتتان. أُراهنك على هذا.