الغاب
الغاب بقلم أوبتون سينكلير ... مع كل حياة أدبية عاصفة كحياة الكاتب الأميركي أوبتون سينكلير، تنتثر شعلة وقّادة تحيي بوار النفوس الميتة، وتقرع الأجراس مذكِّرةً بأن الميلاد ليس تاريخا نحتفي به فحسب، بل هو أنشودة توقظ الاحساس الإنساني وتعيد تشكيله لإعلاء القيم الجمالية والأخلاقية. وهذا ما يتحقق في رواية "الغاب" عبر المهاجر الليتواني جرجس، العامل والبطل المضطهد. يفرط سينكلير في عرض صور الشقاء الإنساني، ضمن منطقة المسالخ التابعة لأحياء شيكاغو الفقيرة، حيث أرست شركات تعليب اللحوم منشآتها، واستجلبت عبيدا من البشرة البيضاء من مختلف قرى العالم القديم: ألمان، ايرلنديين، بوهميين، ليتوانيين، سلوفاك، تحت ذريعة الأجور الخيالية، مما حتم عليهم مواجهة شرور الصناعة والسياسة والمجتمع الأميركي. كانوا يتعرضون للاستغلال، لعجزهم عن تكلم الانكليزية، ويسقطون ضحايا اصحاب منشآت التعليب وأزلامهم، الشرطة، الزعماء السياسيين، وسماسرة العقارات. وصل جرجس إلى شيكاغو بعد رحلة بالغة الصعوبة، بصحبة أربعة راشدين وستة اطفال وأونا، التي كانت بين بين. منذ الأيام الأولى في البلاد ذات الاجور العالية، توضحت لهم الحقيقة القاسية، وهي انها كانت ايضا بلادا ذات اسعار باهظة، شأن الفقير فيها شأنه في اي ركن آخر من أركان العالم. هكذا اختفت احلام الثروة الزاهية التي كانت تراود جرجس. وما جعل الاكتشاف اكثر ايلاما، هو انهم انفقوا بالأسعار الاميركية مالا كانوا قد كسبوه بمعدلات الاجور المنخفضة في الوطن. ورغم ذلك أحس جرجس بشيء من الكبرياء عندما وجد عملا، وغدا مسمارا في الآلة الهائلة. كانت الابنية الكبيرة قد طليت بلوحات دعائية يعرف الزائر منها انه وصل الى موطن عذاباته. فهنا كانت كل دور التعليب الشهيرة، حيث آلات الذبح تقوم بعملها، الذي يشبه جريمة ترتكب في زنزانة لا يراها احد ولا يبالي بها احد. في كل شبر رجل يعمل كأن شيطانا يطارده. والمفروض في نظر العالم ان صاحبَي الشركات بروان ودورهام خصمان متنافسان حتى الموت بحكم قانون البلاد، الذي يأمر بأن يحاول احدهما تحطيم الآخر تحت طائلة المعاقبة بالغرامة والسجن! بدأ جرجس دخوله الفخ الرأسمالي من خلال شراء منزل بالتقسيط، متجاهلا القصص التي تحكى عن اناس اتلفتهم حتى الموت لعبة شراء البيوت. فتجارة المنازل هناك ليست اكثر من اسلوب للسرقة وابتزاز اموال الفقراء والتحايل عليهم. ثم تعرف إلى قانون تسريع الورشة الذي يعني استبدال العمال بآخرين يتضورن جوعا، ويقبلون بأسوأ الشروط سياسة الابتزاز البشعة المتكئة على قانون التنافس التجاري وشرعيته. فمؤسسة دورهام مثلا يملكها رجل يحاول ان يكسب منها اكبر قدر من المال ولا يبالي بكيفية الحصول عليه، ودونه على السلّم صفوف من المراتب والدرجات، وكل منهم يحاول رفس من دونه واعتصار ما امكن من العمل منه. المكان قِدر تغلي بالحسد والضغائن، وليس هناك شبر لا يمكن فيه شراء اي رجل مقابل دولار.