الحداثة المعطوبة
الحداثة المعطوبة بقلم محمد بنيس ... إذا كانَ الربيعُ العربيُّ فاجأنا مثلما فاجَأ العالَم، فإن وُصول الإسلاميين إلى السلطة، عن طريق الدّيمقراطية، التي كانُوا يكفّرونها ويكفّرون المنادين بهَا، لمْ يكُنْ مُفاجئاً. هلْ هُوَ المآلُ الحتْميُّ للحدَاثة المعطُوبة ؟ عواملُ عديدةٌ تدعُوني للإجابة بالإثبَات. فالعطبُ، الذي قادَنا إلى هذا المآل، ثقافيٌّ ومنْ طبيعة ثقافيّة. هذا رَأيي. يبدأ العطبُ منَ التعليم، أيْ من مَضامينه وطَرائقه، ثمّ يمتدُّ إلى السُّلطة والمؤسَّسة، بالمعْنى الأوْسَع لكلٍّ منهُما، في الحياة العَائلية والاجتمَاعية والسّياسية والثقافية. لكنّ ما أشعرُ به هُوَ أن ضرورةَ نشْر هذَا الكتَاب، اليومَ، تفُوق مَا كنتُ شعَرتُ به يوْمَ نشرتُه للمرّة الأولى. فتصاعُدُ أعْطاب الحَداثة لا يُمكنُ أنْ نعتبرهُ مجردَ وقائعَ عاديّة، منْ طبيعَة الحيَاة الثقافيّة ولا يخصُّ زمناً بعيْنه. إنّنا نعيشُ وضعيةً أصعبَ منَ السّابق، أبرزُ علاماتها انسحابُ كلمَة "الحدَاثة" منَ الخطَاب، في كلٍّ منَ الحقليْن السّياسيِّ والثقافيّ. ثمة بلدانٌ عربيةٌ كشفَ فيها الإسلاميُّون، منْ خلال إخْوانهم السّلفيين، عن عُنفهم تُجَاه الحَداثة والحَديثين، وبالأخصّ تجاه الحُرية. أكانتْ حريةَ الإبداع أمْ حُرية الفكْر أمْ حُرية المرْأة. لكنّ الحداثةَ المعطوبةَ لا تُولي، بالمُقابل، اهتماماً بما يجْري ولا تكترثُ باسْتمرارها في احْتقار الوعْي النّقدي، وفي تسْفيهه ومنْعه. كأنّ ما يحدثُ لمْ يحدُثْ، وكأنّ مُمكنَ الزّمن هو بُعْدُه الوَاحد : الحداثة المعطوبة، نفياً للثقافة والحرية