اخبار عزبة المنيسي

(0)
(0)
تقييم الكتاب
0.0/5 0
نبذة عن الكتاب

اخبار عزبة المنيسي بقلم يوسف القعيد ... ولقيمتها الأدبية فقد قدمت لها الدكتورة سهير القلماوي، حيث أثارت السؤال الهام الذي كان يؤرق الشباب وكان يلح في طرحه، وهو ما الذي حدث في القرية المصرية بعد الثورة؟ لقد قضت الثورة على الإقطاع بقانون، ولكن رواسب الإقطاع تحتاج إلى أعوام تطول بفعل ما يجثم على صدر القرية من فقر وجهل. الرواية في مجملها مكرورة، فحدثها المحوري يدور حول غسل العرض بالدم، وإن كان في هاته الرواية قد تم بالسم، غير أن الذي يميزها هو أسلوب الكاتب يوسف القعيد وطريقته البديعة في وصف القرية وأناسها ومشاكلهم وهمومهم وطرائق تفكيرهم، الحاج هبة الله المنيسي الرجل الثري الذي يملك الأرض كلها، الرجل الذي لا يمكن لأي حدث أن يقع إلا بعلمه، بيت شيخ الخفر والد صابرين، الساقية، مجالس السمر بالليل، الأعراس، المآثم، فسق ابن الحاج المنيسي، أبو الغيط خطيب صابرين الذي لم تكن تحبه... فأهل العزبة يوم الانتخاب مثلا، يتزينون ويذهبون إلى أمر لا يعنيهم، فهم لا يعرفون حكومة، ولا اتحادا اشتراكيا، ولا لجانا ، حتى صوت الراديو 'هنا صوت القاهرة' يدفعهم إلى متاهات غريبة وهو ينقل أجواء الحرب، أسماء كالطلاسم والرموز، أحداثا لا يدرون عنها شيئا... المصائب التي تنزل بالقرية كلها سببها أن ليس بالقرية مسجد ولا مقام ولي، قمة بداوة المعتقدات الشعبية. تدور القصة في عزبة الحاج هبة الله المنيسي الموجودة وسط الحقول، كومة طينية جاثية على الأرض، لا يعرف الناس متى حج، ولكن في إحدى جدران العزبة، رسمت صور ساذجة لرجال، جمال، طائرات، بيت الله، هلال شهر رمضان، ومخطوط' ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا. الأرض هنا أرضه، كل فرد يزرع قطعة من الأرض بالنصف، لا يتعامل الناس هنا مع الجمعية التعاونية، الحاج هو الذي يتعامل معها، لا يذهبون إلى عضو مجلس الأمة لقضاء حاجة لهم، فالحاج كفيل بكل شيء، وكل شيء يتم بعلم الحاج هبة الله، القتل، الطلاق، الأحزان، الأفراح، خلافات الرجال مع نسائهم.. ما أن تدرس الذرة ويُدَرى القمح، حتى يهل على أهل العزبة الحلاق الذي يسمونه المزين، يقف على بعد واضح من الحقول، معه ابنه وحماره، يقول بصوت مسموع، ومن خلال بسمة بالغة الصفاء: كل سنة وأنتم طيبين يا جماعة، ومعنى هذا أنه يطلب نصيبا من المحصول، هو لا يحْلق لأهل القرية بالنقود، ولكن مقابل كمية من الذرة والقمح. يحضر في مثل هذا الوقت أيضا خادم المصلى، والمنادي(البراح)، وحتى عبد الستار الغفير، وأبو الفتوح البقال، وإمام المصلى، كلهم يستأجرون أرضا من الحاج هبة الله المنيسي يزرعها أولادهم وزوجاتهم. عبد الستار شيخ الغفر، هو الذي يحرس حقول القمح والقطن من الحرائق أو القلع، يحرس كذلك عجول الحاج هبة الله المنيسي، يتسلم كل ليلة من يد 'الباشكاتب' بندقيته التي يضعها فوق كتفه، يتسلم أيضا عشر طلقات بعد أن يوقع في الدفتر إشهادا بواقعة التسلم، ثم يمضي في رحلته مع الليل وحكاياته. في شبابه كان عندما ينام أهل القرية يتسلل إلى بيته يلج غرفة 'ستهم' زوجته ثم يخرج منها دون أن يحس به أحد من ساكني البيت، لا صابرين ابنته الجميلة ولا الزناتي الذي أصبح شاربه يظهر من تحت أنفه، يخطو في صمت نحو الساقية يخلع جلبابه، يغطس فيها، يغتسل، يلبس جلبابه من جديد ويواصل مغامراته مع كائنات وأشباح الليل، وقد يصيح في بعض الأحيان مكسرا هدوء الليل: مين هناك؟ صابرين فتاة جميلة كانت تعمل مثل فتيات ونساء أهل القرية في الحقول، كانت تغني للفلاحات، وكان صوتها عذبا، طروبا، عندما بلغت سن الثلاثة عشر خطبها 'أبو الغيط' واحد من أهل القرية ولكنه كان يعيش خارجها في بلدة مجاورة، ولظروف مادية حسب الظاهر، أجل الدخول بصابرين لأربع سنوات متوالية. لا شيء كان يعيب أبو الغيط سوى ذلك السعال المشروخ الذي كان ينتابه من حين لأخر، حقيقة هو يكبر صابرين بحوالي سبعة عشر عاما، لكنه هو أيضا من عائلة المنيسي وإن كان قد مال به الحال لأسباب غير مفهومة. كانت أمه تقول عن أبيه؛ المجهول المصير؛ أنه كان يملك أرضا واسعة، وقد ضمت هاته الأرض إلى أرض الحاج هبة الله المنيسي بموجب مبايعة يشك الكل فيها. تحكي أم أبو الغيط أن اسم زوجها كان سامح، وهو من فرع آخر من عائلة المنيسي، أغوته امرأة، عرضت عليه، في إحدى خلوات الحب والشوق، أن يبني مصنعا للطوب، فباع جزءا من أرضه وبنى المصنع على شط النيل، لكنه خسر كل شيء، واختفى سامح المنيسي. لذلك كانت أم أبو الغيط غير مرتاحة لخطبة صابرين، وكانت تقول لولدها، أن أبوه سامح المنيسي سيعود، ولن يرضى على هذا الزواج، ستعود أرضه التي سرقها أخوه، أمأ أبو الغيط فقد كان صادقا في نيته، سواء عاد سامح المنيسي أم لم يعد، لن تكون سوى صابرين، يوم السبت يعود أبو الغيط من السوق، يحضر لها بعض الأشياء؛ منديل، طرحة، زجاجة كولونيا.. وتقول صبرين عندما يقترب مني، يتكلم معي، لا أشعر بشيء بالمرة، وتخاطب والدها عبد الستار: ما رغبت في الزواج يا أبي.... من العمل في الحقول انتقلت صابرين للعمل في بيت الحاج هبة الله المنيسي. صفوت ابن الحاج المنيسي يتابع دراسته في الإسكندرية، لكنه طالب فاشل كان غالبا ما ينهي سنوات الدراسة بالرسوب، كان يسافر إلى الإسكندرية في شهر شتنبر ولا يعود للقرية إلا مع العطلة الصيفية. في هاته المدينة الصاخبة يتعرف صفوت على إلهام، أصبحت بعد مدة، هي كل شيء بالنسبة إليه، نسي الكلية، دروس الانجليزية، ماركس، داروين...لم تُحَدثه أبدا عن المستقبل، عن الزواج، لم يكن يعرف حتى طبيعة عملها، بالرغم من أنها كانت تشكو له دائما من مضايقات بعض الزبائن، لم يسألها أي نوع من الزبائن تعني، غير أنه يتفاجأ ذات ليلة عندما زارها في المنزل الذي تشتغل فيه، حيث استقبلته المدام المشَغِلة، بصوت فاقع النبرة، حاد الملامح، قالت له المدام: إذا كنت تريدها ليلة كاملة، فادفع ثلاث جنيهات، وجنيه ونصف حتى منتصف الليل، نحن قوم محترمون يا مسيو منيسي، ولا تنس أنها بكر وأنها لم تتعد العشرين بعد. هذا الصيف عندما رجع من الاسكندرية وجد صابرين التي كانت تشتغل في الحقول، ها هي في بيت أمه، وتدخل حجرته، تنظفها، تناوله فطوره، تغسل ملابسه الداخلية. في البداية ودئما تكون البداية غزل فصد بدعوى 'مش قد المقام' ثم زجر، يبوح لها بحبه لها، تستعين هي بشبح أبو الغيط زوجها، الخِدر يتمدد إلى أعماقها لذيذا ناعما، انزعجت أولا، لكنها تبينت آخر الأمر، أنها أصبحت تحب مداعباته، ترغب فيها، تنتظرها.... وأبو الغيط ذنبه إيه، ليه كدا يا رب؟. كان اليوم حارا، شاهد صابرين تدخل مخزن التبن، الشمس في كبد السماء، يد صفوت المنيسي تمتد إليها في أعماق العتمة....وبعد أسبوع سيعود أبو الغيط، قاومته، مزقت قميصه، قطعت السلسلة الذهبية المعلقة في عنقه....أخوها الزناتي يشرب الشاي الآن تحت النخلة هناك في الأفق البعيد ... والدها عبد الستار ينام في المصلى، تقول له أنتظر اسبوعا واحدا بدل الفضيحة...صفوت يزداد قربا منها...صابرين تفكر في الحلال والحرام، في الستر والفضيحة....في ملابسها الجديدة، في قميص النوم الذي لم تلبسه بعد، في أبو الغيط، فكرت في الطشت، في الإبريق، الأواني، في الحصيرة التي لم تفرش بعد..... عندما ضمها إلى صدره، أحست أن الضمة قد ابتلعت كل ذرات التردد الناعمة، قاومته، ولكنها فجأة ضمته هي الأخرى، وكل شيء غرق في تلك اللحظة الجنسية العارمة. أدرك هو أنه ينتقم من الاسكندرية، الصدور الناهدة، الأرداف الثقيلة، فقد كان يحمل في أعماقه بذرة فشله حتى عثر على المناسبة، ينتقم من عصر الشهادات، عصر الكفاح المقدس، من الرسوب في كل عام، ينتقم من إلهام، جانيت، فرانسواز.... عندما وقفت صابرين تماما وراحت تنفض ذرات التبن من على شعرها المنفوش، لبست طرحتها، خرجت، لم تنظر إليه، لم تدرك فظاعة وبشاعة فعلتها إلا عندما فكرت في الماشطة، في ليلة الدخلة وأهل القرية ينتظرون أن تخرج المحرمة ملوثة بالدماء الحمراء القانية. بعد أن أصبحت علامات الحمل بادية على صابرين، سوف تخبر أمها التي تخبر والدها عبد الستار، ويقول الحاج هبة الله المنيسي لعبد الستار: الستر خير وأن صابرين ستعرض على دكتور في القرية المجاورة، وأنها ستعود كما كانت وسلمه خمسين جنيها، أحس بعدها أنه باع صابرين وباع معها نفسه. صابرين تشكو من سخونة بعد مرور أسبوعين من إجراء عملية الإجهاض، يذهب الزناتي عند الباشكاتب، يطلب منه جرعات من 'توسكافين' للقضاء على جرذان البيت، يفرغ قليلا منه في كوب ما ء دافئ أعدته أمه، يرج الكوب جيدا ، يقترب من صابرين، يرى وداعة الحزن في عينيها، الأسى على رموشها الطويلة، يجلس بجانبها: اشربي يا أختي دا الدوا الحكيم واصفه لك أدار وجهه في صمت وهي تشرب، نامت، غطاها ببطانية، أسبلت جفنيها، لم يطق الزناتي البقاء، حمل الكوب معه، خرج.... ويطلبون لصابرين الرحمة والغفران، لاحول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون. فجأة أصبحت عزبة المنيسي مهمة، حضر الضابط، الشرطة، المخبرون انتشروا بجوارها يتسقطون الأخبار من الناس. بعد مرور أربعين يوما على وفاتها، أخرجت جثة صابرين من مدفنها وتم تشريحها، ألقي القبض على الزناتي، ثم إيداعه السجن، أما أبو الغيط فقد أصابه مس هلوسة وأصبح يقول للناس أنه قابل والده سامح أفندي المنيسي الذي أصبح ملكا على مملكة واسعة الأرجاء، أما صابرين فإنها حاملة منه بولي العهد الذي سيخلف والده على الملك. تحولت قصة صابرين إلى أسطورة، فقد قال الناس أنهم شاهدوها جالسة تبكي على الساقية البحرية، وأن شجرة قد نبتت في المكان الذي كانت تبكي فيه.

غير متاح للتحميل، حفاظًا على حقوق دار النشر.
أضف مراجعتك
أبلغني عند توفره للقراءة

نبذة عن الكاتب

يوسف القعيد يوسف القعيد

أديب وقصاص مصري ولد بالبحيرة. اهتمّ بالتعبير عن المحيط القروي المصري وما يتّصل به من قضايا وعرف بنبرته السياسية الناقدة. من رواد الرواية في مرحلة ما بعد نجيب محفوظ الذي ربطته به علاقة متينة. حازت روايته الحرب في بر مصر المرتبة الرابعة ضمن أفضل مئة رواية عربية.

أعمال أخرى للكاتب

كتب مشابهة

مراجعات العملاء

0.0/5

0.0 out of 5 stars

من 0 مراجعات

تقييمات ومراجعات

5 نجوم

0 %

4 نجوم

0 %

3 نجوم

0 %

2 نجوم

0 %

1 نجوم

0 %

قيِّم الكتاب

شاركنا رأيك وتقييمك للكتاب.

سجل دخولك لتتمكن من إضافة مراجعتك.

أحدث المراجعات

لا توجد مراجعات بعد. كن صاحب أول مراجعة واكتب مراجعتك الآن.

أضف اقتباسًا

Recent Quotes

لا توجد اقتباسات بعد. كن صاحب أول اقتباس وأضف اقتباسك الآن.

القرّاء

لا يوجد قراء بعد