نشوء اللغة وونموها واكتهالها
نشوء اللغة وونموها واكتهالها بقلم انستاس ماري الكرملي ... عقدتُ هذا الكتاب على تسعةٍ وثلاثين فصلاً، وختمتُهُ بموجَزٍ، هو بمنزلة خلاصةٍ لهُ. وقد توخَّيْتُ أَلَّا تكون هذهِ الفصول متناسقة في الطول، ولا في القِصَر، ليشعُرَ القارئُ بأنَّ ما كان منها قصيراً، يجد مثل موضوعهِ شيئاً كُثَاراً في تصانيف النحاة، واللغويين الأقدمين على اختلاف عصورهم وطبقاتهم. وأما الفُصول الطوال، فهي من وضعي، فلا يُصيب القارئُ ما يُضَارعها في أسفار القابضين على اليراع؛ فأشبعتُ البحث قولاً، وإن لم أقل كل ما كنتُ أوَدُّ أن أقولهُ؛ لأنَّ ما تعرضتُ لهُ، لم يذكرهُ غيري، أو ربما يستغربهُ المطالع أو يُنكرهُ عليَّ. وقد تعودتُ سماع النقد، بل أقذع النقد وأقبحهُ حتّى مَرَدتُ عليه. فإن كان القائل مصيباً في قولهِ، أو في بعض قولهِ، أجبتهُ، وإلَّا نبذتهُ نبذ النواة، تاركاً لهُ الدهر لِيُؤَدِّبَهُ، فهو أحسن مؤدّب، لمن يأكل قلبهُ الحسد، أو الحقد، أو الضغينة، أو ما تريد أن تسمِّيَهُ. وكفى. هذا بحث لُغَويّ، جَرَيْتُ فيه على الأُسْلُوب الحديث، تمحيصاً للحقيقة، ودفاعاً عن اللغة المُضَرِيَّة، وإيضاحاً لما فيها من دقائق الأوضاع، وخفايا الأسرار، وغوامض الحروف، وخصائصها، وبدائع الصيغ وأوزانها، وما فيها من مختلفات لُغَة القبائل، متوقعاً البلوغ به إلى الحقّ، غير مبتغٍ أجراً ولا شكوراً؛ إنما كل أُمْنِيَّتي خدمة العربية، وحَمْل أبنائها على السير في مثل هذا النهج، ليعلم غيرهم أن لسان العرب فوق كل لسان؛ ولا تُدانيها ألسنٌ أخرى من ألسنة العالم جمالاً،