مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة وادي النيل
مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة وادي النيل بقلم طة باقر ... لكي نفهم قصة الحضارة في وادي النيل وسير تأريخها من نشوئها وتطورها وأدوارها ينبغي لنا أن نلمّ بأبرز الخصائص المميزة لمسرح حوادث تلك الحضارة مما كان له أثر بارز في طبع تلك الحضارات بميزاتها ومقوماتها الخاصة. ولما كان الغرض من هذه المقدمة الجغرافية الاستعانة بها لفهم حوادث التأريخ المصري القديم فسنكتفي من جغرافيا وادي النيل بالأمور البارزة الموضّحة لتلك الحوادث. تقع مصر في الجانب الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا، وإن أبرز ما يميّز مصر، في جغرافيتها وتأريخها، نهرها العظيم "النيل" مصدر الحياة والخصب بحيث يصحّ قول هيرودوتس المأثور "إن مصر هبة النيل"، إذ لولاه لأصبحت مصر صحراء جرداء، فهي قطر عديم المطر بوجه أساسي، فيكون النيل وما على جانبيه من الأراضي الضيّقة بلاد مصر التي يمكن فيها الحياة والعيش وهي شقة خضراء ضيّقة يكون فيها الحدّ الفاصل بين الحياة والزرع وبين الصحراء وعدم الحياة حدّاً واضحاً وبوناً صارخاً بين "المزروع" والصحراء. وقد عمل ضيق هذه الشقة الخضراء على تكاثف قرى الفلاحين، وجعل القرية تكون لصق القرية اقتصاداً بالأراضي القابلة للزراعة. ولكن إذا ما بُذلت العناية المقتضية فإن هذه الأراضي تدرّ على سكان مصر خيرات زراعية عميمة. كلمة النيل ليست أصل مصري قديم. والمرجّح كثيراً أنها من الكلمات السامية القديمة المشتقة من "نهر" أو "نهل" أو "نخل" (بإبدال الراء لاماً) فصارت الكلمة الثانية بصيغة "نيل" ومنها الكلمة اليونانية (Neilos) واللاتينية (Nilus). أما المصريون القدماء فقد سمّوا نهر النيل وكذلك الإله الخاص بنهر النيل باسم "حعف" أو "حعفي". وفي الأزمان المتأخرة صار يُلفظ بهيئة (هوفي وأوفي وحوفي) ولا يُعلم معنى هذا الاسم المصري القديم، وقد أُلِّه النيل ونظِّمت في تمجيده التراتيل الدينية وخُصّصت له بعض الأعياد الدينية