مقام التحول هوامش حفرية على المتن الأدونيسي
مقام التحول هوامش حفرية على المتن الأدونيسي بقلم أحمد دلباني ... إن الأدونيسية، بوصفها حضوراً فكرياً وإبداعياًن ظلت سؤال يخترق الحاجز الثقافي العربي السائد، وظلت خلخلة وتفكيكاً لأكثر المسلمات رسوخاً في الوعي التقليدي، وثورة في الإبداع العربي أصبحت الكتابة معها رقصة نارية على أرض بكر امتلأت بقبور الآلهة الآفلة، وامتلأت بحطام الوصايا كذلك. لقد واجه أدونيس، منذ بدايات نشاطه الإبداعي الاستثنائي ثقافة عربية أضاعت بوصلة الاتجاه في عتمة الحاضر، وظلت تترنح على عتبات الأزمنة الحديثة، عالقة بأهداب الماضي الذي رأت فيه ما يعصمها من الصياع في عالم جديد، يقوم على الإبداع والتغير والثورة. ...إن تحرير القدر الإنساني من هيمنة الواحد، والتأسيس لثقافة الاختلاف في مفهومها العميق، لا يمكن أن يتوالد عن النظام المعرفي الذي يحكمه القبليات والمتعاليات التقليدية والإيديولوجية بل من حركة الخروج عن هذا العائق وتحطيم مكوناته وخلخلة بدهياته، وفي طليعتها قبلية المعنى والحقيقة، كجذر تقوم عليه الثقافة السائدة، خروجاً يعلن عن تأسيس محددات ومضمرات جديدة لنظام معرفي شعاده الأول: "المعنى هو إمام الإنسان". يتناول المؤلف في الصفحات التي تؤلف هذا السفر التحليلي - النقدي، الرؤية الأدونيسية في تجلياتها الفكرية / النقدية والفلسفية وفي إبداعها الشعري المتميز، مشيراً، من خلال الإحالات الكثيرة، إلى لحظاتها الحاسمة ونقاط إرتكازها المعرفية التي جعلت منها متنا من الأسئلة والمراجعات، حاول صاحبه التأسيس للحظة الخلخلة في الثقافة العربية وإعادة النظر في مفاهيم الخطاب العربي السائد، كالتراث والهوية والأصل والأصالة والإبداع، من منظور جديد، يفضح إمتدادات النظام المعرفي القديم في القول المعرفي العربي الراهن، وينبه إلى إستطالاته وظلاله بما هو عائق عن صيرورة الهوية التي تبقى، وحدها، الضامن لإحتضان وجيب العصر. أشير أيضاً إلى المنجز الشعري الأدونيسي الذي ظل، في عمومه، نشيداً عظيماً يفصح عن رؤية لا ترى حولها إلا الرماد، فتبتكر طيورها النارية، ولا ترى إلا تلاشي التعالي والسماء وأفول الآلهة، فتبشر بثقافة الأرض وتحتضن زمن الصيرورة، ولا تجابه إلا ميومياء التاريخ، فتضح فيها دماء التحول والثورة السخينة. يبتعد هذا الكتاب، بالتالي، عن مهمات الناقد العربي التقليدية، في إعتماد ترسانة المناهج النقدية الحديثة الجاهزة، من أجل الدخول في النص الأدونيسي، إنه كتاب يوخى الكشف عن أبعاد الأدونيسية، بوصفها رؤيا معرفية وإبداعية شاملة، وسؤالاً مطروحاً على الذات الحضارية وبوصفها حدثاً تأسيسياً في ثقافتنا الراهنة. إنه، بمعنى ما، محاولة للدخول في غابة الحضور الأدونيسي، من منظور نقدي - ثقافي بالمفهوم الشامل، دخولاً لا يهم صاحبه الوصول إلى طرف الغابة، بل السفر والحلم بالتخوم البعيدة التي تظل أفقاً يعد بشمس ما، إنه سير في طرق لا تؤدي إلى أية جهة، كما كانت توصف بعض أعمال هيدغر.
