لم يأت القمر
لم يأت القمر بقلم سجال الركابي ... إن الدخول إلى عوالم الشاعرة سجال الركابي، يتميز بمواصفات خاصة، إنه الدخول إلى الشعر في زمن الجنون، الشعر الذي تسافر معه إلى ما وراء العالم، عندما يتحول الوجود إلى كينونة متصلة بذات من يكتب، عندئذٍ فقط يكون الشعر هو روح الحياة، وسر الوجود. في "لم يأت القمر" تطل الشاعرة الركابي على القارئ من نافذة عريضة تمظهرت في بنية إهداء: "إلى الحالمين بالحب والحريّة". ومن هذا التصدير تتخذ الشاعرة من موضوعة (الحب) و(الحرية) بنية أساسية لتشكيل خطابها الإبداعي، عبر مخيلة ضاجة بالانتظار والألم حيناً، وبالفرح والحياة حيناً أخرى. في القصيدة التي تفتتح الديوان والمعنونة بـ "لم يأتِ القمر" تقول الشاعرة:"جلستُ تحت زيتونتنا/ أنتظر طلتك يا قمري/ بيضُ الحمائم ناغَينني/ شوقي تخلّلَ جَدائلي/ وَجِئتَ/ ركضَ قلبي للقياكَ/ يسبقني/ لكن... واحسرتاه/ ماعدتَ الملاك الذي سَحرني/ فقد فاحت منكَ رائحة البارودْ". ومن رائحة البارود، يحضر ألم الغربة في الشعر، فتكتب شاعرتنا عن هجيع حنينها، سطوراً تؤرخ فيها لوطن هاج شوقاً إليه قلبها؛ إنه الحبَّ الذي لا يعلو عليه حبٌّ "بغداد" تخاطبها بـ : سيدةِ الحُسنِ (بغداد) فتقول:"يا رائعة الجمال/ رفيعة المقام والمقال/ سيدةِ الحُسن والفؤاد/ أراكِ تَعِبة/ أُعذريني/ فكلُّ شوقي لَكِ/ لم يقك عبثٌ/ أو ما شاءت الأقدارُ/ يظلُّ قلبي يهمسُ بيقين/ ستغسلُ وجهها الوضّاءُ/ ويعود المها يَجلبُ الهوى/ وتستودعُ في ضفتيها أقمارُ". هكذا بدت سجال الركابي وهي ترسم خرائط نصوصها بإتقان تام، وتحشد من أجل ذلك دلالاتها ورموزها وإشاراتها، بغية تكثيف بنية النص وإعطائه زخماً قوياً وجمالية ذات نوع خاص، فالقصيدة عندها؛ ملغمة بانثيالات فنية تحمل بين جنباتها تقنيات لغوية قلما نراها عند غيرها ممن يكتبن الشعر، إنها تتفرد باختيار كلماتها وعباراتها في محاولة لخلق شيء غير عادي، شيء يحتوي حداثة اللغة وتقنياتها. يضم ديوان "لم يأتِ القمر" ستة وتسعون قصيدة في الشعر العربي الحديث جاءت تحت العناوين الآتية: "طوفان"، "الزهرة والمريخ"، "أنت"، "ظل جدار"، "حجر"، "سأمحو تبرجي"، "شك"، "جوهر الجمال"، "أرق"، "بانوراما شوق"، "زئبق"، "قهوة باردة"، (...) وقصائد أخرى.
