طاغور شاعر الهند الملهم

طاغور شاعر الهند الملهم بقلم محمد سعيد الطريحي ... تمضي الأيام والسنون، ويبقى اسم "طاغور" على مر الزمان، ذكرى للأدب الخالد والشعر الرائع، والحياة المشرقة المتفائلة؛ أبداً لن يغيب اسمه، بعد أن حفره صاحبه، على جبين الزمن، بالعرق... والجهد... والكفاح... بالشعر والحب والسلام. حين يولد عظيم كـ"طاغور" يحني الزمن رأسه إحتراماً وتقديراً، حتى إذا مضى هذا العظيم إلى حيث لا زمان، يبقى الزمان ذاكراً إياه بكل إحترام وتقدير... اسمه يعني الرجل المقدس، وهو كذلك بحق، فإن لم يكن مقدساً ذاك الذي دعا إلى الحب وغنى للسلام، فماذا يكون؟ أليست القداسة في جانب من جوانبها حباً للآخرين، ودعوة لهم لأن يحب بعضهم بعضاً، وأن يعيشوا معاً في وئام وسلام؟... عصي الطبع... يهجر المدرسة والنظام... لكنه لا يهجر الدرس. قرأ الكتب... نظم الشعر... غنى الأناشيد... ومَثّلَ أدواراً مسرحية، قرأ لشكسبير، ميلتون، بيرون... ومما قرأ تستطيع أن تعرف من يكون... في إنجلترا درس الأدب... وأصغى إلى الغناء... وزار المتاحف، واهتم بالموسيقى... فنان عظيم، يعرف أنه أياً ما كانت الفوارق بين الفنون، إلا أنها جميعاً تتبع من منبع واحد، وتترك في المتلقي نفس الأثر الطيب، لذلك راح يعب منها، ولا يترك فناً إلا ويأخذ منه قدراً؛ على أن "طاغور" إلى جانب كونه شاعراً يعبر بالكلمات، أقبل... وقد ناهز السبعين من عمره على الرسم والتصوير، فراح يعبر بالخطوط والألوان. شاعر يرسم الكلمات، وفنان يعبر بالخطوط والألوان، هذه لغة وتلك لغة، ولكن لكل شيء لغة تعبر عنه، ورسومه، كما يقول، تعبير لا شرح "فإن يبلغ الظاهر ذروة مداه يبقى على الزمن"؛ الفن عنده، كالحب، لا يشرح... "يقاس ا لواجب بنفعه، والنفع بالكسب وبما يعطى من سلطان، أما الفن فلا يقاس إلا بنفسه... هناك عوامل أخرى في الحياة تأتينا زائرة ثم تمضي، أما الفن فضيف يحل ويقيم، الأشياء الأخرى قد تكون مهمة، أما الفن فلا بد منه". شعر طاغور، يسمو بما فيه من حكمة، كالعروس تزدان بالحلي، فالوجود واحد، يعبر عن نفسه من خلال الأشكال والألوان... وهو في شعره، لا يفصح تماماً عما يريد البوح به، ولا يبهم كثيراً، حتى يترك القارئ في حيرة، لكنه يضع القارئ في منزلة بين بين، يفصح له عن شيء ليغريه بمعرفة شيء آخر، لم يفصح عنه... قصداً وتعمداً. هذه التجربة التي نقلها المؤلف اليوم إلى قراء العربية، هي خلاصة لبحوث ودراسات شاركها مع جمهرة من المفكرين والكتاب ممن لفت نظرهم "طاغور" الحكيم والشاعر الملهم، فعكفوا على آثاره الرائعة الحارة الواسعة الآفاق والعالية في نبرتها الإنسانية وتحليقاتها الجميلة الشاملة، فكتبوا ما شاءوا إحساساً بالروعة التي وجدوها فيمن بعث في نفوسهم الأنس والجمال، وأشاعر المحبة والود الصافي المنبعث من أعماق الفطرة وأسرار الوجود. وقد اختار منها المؤلف هذا الجموع المعبر عن مكنوناتهم، لينضم إلى مثيلاته مما اختاره للنشر في (دائرة المعارف الهندية) التي بدأ عملها منذ ما يزيد على ربع قرن، خدمة للعلم والعلماء في الهند والعالم، عسى أن تكون كلمات "طاغور" المشبوبة بالنزعة الكلية إلى الحب والسلام والتسامح مثلاً حياً يحلق في آفاقنا المعتمة، في سياق الصورة المثالية التي تمناها "طاغور".