طائر الثبغطر

طائر الثبغطر بقلم عبدالله بن احمد الفيفي ... عادة ما تشي عتبة العنوان، بصفة عامة، بمضمون النص الإبداعي، وتستبق الإيحاء بخطوطه العريضة، وهو ما ينطبق على "طائر الثَّبَغْطِر". فهو عنوان يوحي قبل الشروع في القراءة بطبيعة البيئة التي سيستحضرها الروائي في هذه الرواية، إذ أن منطوق هذا العنوان يفترض ضمن ما يفترضه من إيحاءات أن عالم الروي مشتق من شخصية البطل الشبيهة بذلك الطائر الغامض المذكور في المخيال الشعبي لسكان الجزيرة العربية، كما جاء على لسان الراوي: يَذكره الناس ويكاد لا يَعرفه أحد. غريب، غامض، يقال إنه طائر مهاجر، وأنه لا يهجع ليلاً. حتى اسمه لا يُعرف أصلُه. ما سمعتُ حكايات (وليد موسى) إلاَّ توارد إلى خيالي ذلك الطائر المجهول، أو شِبه الأُسطوري: الثَّبَغْطِر. ورواية "طائر الثَّبَغْطِر" للأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي تقدم فهماً جديداً للواقع العربي الراهن، فهو ينتقل بسردياته من الواقع المرفوض، باحثاً ومنقباًعن واقع آخر بديل، فيه متسع لكثير من القيم المفقودة، والمفتقدة، لذلك فالرواية هي من النوع الحمال أوجه ويمكن أن تقرأ بأكثر من طريقة، وتفهم بأكثر من معنى، وكلٌ بحسب ثقافته وحمولته الفكرية؛ أما الشيء المؤكد فيها هو رصدها للبنى الذهنية في المجتمع العربي والإسلامي على طول التاريخ الإنساني، وما استخدام الروائي عبارة (مذكرات نبي مجنون) إلا تقية فنية يمارسها بنسبة أفكاره إلى مجنون فيتحلل بذلك من المسؤولية، وقد سبق للسرد الروائي العربي أن تمخض عن هكذا محاولات، فكانت كتب "النبي" لجبران خليل جبران، و"مرداد" لميخائيل نعيمة، علامات فارقة في هذا السياق. على أن الإطار السردي هنا مرّنْ ويمكن أن يمتد على أكثر من مشهد وزمكان. والروائي عبد الله بن أحمد الفَيْفي هنا لا يند عن هذا السياق، دون أن نعني بذلك حكم قيمة، فلكل كتاب قيمته وفلسفته وطريقته في رؤية الواقع المعاش، مع فارق أن الشخصية التي يكلفها الراوي هذه المهمة متهمة بالجنون لطرحها أفكار تخرج عن التابو العام للمجتمع. فهو هنا، يختلف عن الكتّاب الآخرين الذين اختاروا شخصيات مثالية للقيام بهذه المهمة، وبهذا تتعدد أدوات الحكي وأماكنه وأزمنته وموضوعاته، وتتقاطع وتتفارق في آن معاً في تبليغ رسالة الكاتب الفكرية المصاغة في إطار روائي، وقد تسللت إلى النص عبر مقاطع وعظية خطابية، وتمظهرت من الحوار المسند إلى (وليد موسى) من دون أن تنتقص من قيمة النص الروائية؛ وقد وجد لها السارد ما يبررها روائياً لانسجامها مع الدور المسند إلى رموز شعبية ذات حضور في الوجدان الجماعي للناس والفضاء الروائي الذي يدور فيه الحكي وقد بدا الروائي فيها على وعي تام بما يفعل، لذلك، لا غرو في أن تطالعنا جمل من قبيل: "الدين لكل الناس... والتاريخ متاح لكلّ قارئ"، "قبيلتكم هذه منهج جاهليّ، جاء الإسلام ثورة عليها. مبدأ الإمامة في الصلاة، والشورى، وعدم وصية الرسول بخليفةٍ من بعده، كلها إجراءات ديموقراطية، ليختار الناس الأصلح، بإرادتهم الحُرَّة"، "الإسلام ليس فيه عقوبة السجن!"... ومهما يكن من أمر فإن رواية " طائر الثَّبَغْطِر" تدور "بين فكرين، فكرٍ ثوريٍّ تجديدي، وفكر جاهليٍّ قديم" وتدعو إلى "الأنسنة"، وتنبذ "الدوغمائية" ونفي الآخر. بعد الانتهاء من قرائتها ستجد نفسك هناك، في الضفة الأخرى للحياة تعيد لا محالة النظر في كثير من الأفكار النمطية السائدة وتُغلب "إعمال العقل في الدين" وتسأل نفسك: أين أقف الآن؟